بسم الله الرحمان الرحيم
احضرت لكم اليوم جزء من رواية البؤساء ل victor hugo الروائي الفرنسي المعروف
سأبدأ على بركة الله
الفصل الاول الاسقف
لايعلم الناس من امر الاب شارل فرنسبوا ميريل اسقف "برينول" الا انه
انحدر من اسرة كريمة في"اكسن"وان اباه كان عضوا في مجلس النواب
وقد زوجه ابوه وهو في سن العشرين وعني باعداده لكي يخلفه في كرسي
النيابة كما هي العادة في بعض الأسر لكن الفتى كان وقتئذ متين البناء رشيق القامة سريع الخاطر ممتئا قوة وفتوة فاثر دنياه على دينه وقضى ايام شبابه الاولى في اشباع شهواته الدنيوية
ثم نشبت الثورة الكبرى وتبعثرت الاسر العريقة فرحل شارل بزوجته الى ايطاليا
وهناك اصيبت الزوجة بذات الرئة وقضت نحبها دون ان تلد
ولا احد يعلم على وجه التحقيق نوع الازمات والكوارث التي تعرض لها شارل ميريل نعد ذالك فكل مايعرفه الناس عنه انه عندما عاد من ايطاليا كان يرتدي ثياب القس
كان قد تقدم في السن وركبته الشيخوخة واستحال رجلا اخر فاقام في بريتول مع اخته الانسة "باتستين" وخادمته مدام"ماجلوار" لم تكن باتستين على شيء من الجمال فهي طويلة القامة نحيفة الجسم شاحبة اللون ولاكنها وقفت كل حياتها على العبادة والابتهال وعمل الخير فخلع عليها ذلك كله مع تقدمها في السن شيءا من النقاوة وجمال التقوى
وامامدام ماجلوار فقد كانت قصيرة بدينة لاهثة الانفاس على الدوام لسببين احدهما نشاطها وخفة حركتها وثانيهما اصابتها نأزمة تنفسية مزمنة
أقام الاب ميريل في قصر الابرشية وهو قصر عظيم شيد في بداية القرن السابق واحيط بحديقة واسعة وكان اول ما فعله انه زار مستشفى المدينة فالفاه قديما ضيقا لايكاد يتسع للمرضى فانتقل الى المستشفى ونقل المرضى الى القصر
لم يكن الرجل ذا ثروة فقد عصفت الثورة باملاك أسرته فبقي لاخته ايراد سنوي لا يتجاوز خمسمئة فرانك وعلى هذا الايراد كان الاب ميريل يعتمد في نفقاته الشخصية اما مرتبه بصفته اسقف بريتول وهو 15الف فرانك في العام فانه رصده جميعه لاعمال الخير والبر للفقراء واغاثة الملهوفين ورتب ميزانيته على هذا الاساس وعرضها على شقيقته باتستين فابتسمت ووافقت عليها في الحال وذلك لان هذه المرأة الملائكية كانت ترى في الاب ميريل اخاها وقصها في وقت واحد فهي تحبه وتحترمه وتحني رأسها اذا تكلم وتوافق اذا فعل
وكان للاسقف ايراد اخر غير محدود في المناسبات المتصلة ناعمال الكنيسة كالزواج والعماد وغيرهما وفي هذه المناسبات كان الرجل يلح في تحصيل اجره من الاغنياء لا لشيء الا ليوزعه على الفقراء
ثم كانت له نححم عمله مركبة خاصة فتبرع بها لنقل المرضى الى المستشفى وراح يقوم بزياراته الى كنائس ابرشيته المترامية الاطراف سيرا على قدميه
وحدث ذات يوم ان ذهب لزيارت كنيسة مدينة "سشيز" وكانت الرحلة شاقة والطريق وعرا فاضطر ان يمطتي حمارا وكان العمدة وبعض اعيان المدينة في انتضاره لتحيته والترحيب به وقد توقعوا ان يروه قادما في المركبة التي كان يستخدمها سلفه فهالهم ان يروه ممطتيا حمارا وكانت المفاجأة من الغرابة بحيث لم يتمالك نعض الحاضرين منالضحك فقال القس محدثا العمدة ومن معه معذرة ايها السادة لا شك انه ادهشكم ان يجرؤ قس رقيق الحال مثلي على ركوب حيوان امتطاه السيدالمسيح في أحد الأيام .ولكني أؤكد أنني أمتيطه اظطرارا لا زهوا وخلاء
كانت للاسقف طريقته الخاصة في الحكم على الاشياء فقد سمع ذات يوم بقضية تقرر النضر فيها أمام محكمة بريتول وهي قضية رجل ضاقت به الحياة فاصتنع نقودا زائفة لاطعام زوجته وولده وكانت عقوبة التزييف في ذلك العهد هي الاعدام
ومن سوء حظ الرجل ان زوجته ما كادت تعرض لتداول اول قطعة صنعها حتى افتضح امرها والقي القبض عليها ولم يكن من دليل على الجرم الرجل اى ان تعترف زوجته وترشد اليه وتسوقه الى التهلكة
لاكن المرأة انكرت وضيق المحقق الخناق عليها فامتنعت في الانكار واخيرا خطر للمحقق خاطر فاوهم المرأة ان زوجها يخونها وانه اتخذ لنفسه خليلة وأقنعها برسائل اصطنعها لهذا الغرض فدبت الغيرة في قلب المرأة دبيب الموت في الحياة واعترفت بكل شيء وقدمت من ما يكفي لادانة الزوج
وهكذا ضاع الزوج التعس وارسل الى السجن انتضارا للمحاكمة
وتحدث الناس ببراعة المحقق وبعد نضره واطروا دهاءه ومقدرته على استغلال غيرة المرأة وتسخير العاطفة لابراز الحقيقة
وسمع الاسقف هذه القصة فسأل
اين يحاكم الزوج وزوجته
فاجيب امام محكمة الجنايات
قال الاسقف واين محاكم المحقق
وكان الاب ميريل على استعداد في كل في كل ساعة من ساعات الليل والنهار لتلبية دعوة المريض او المحتضر بل لم يكن يترك للعائلات المنكوبة والثكلى فرصة لدعوته لانه كان يذهب اليها من تلقاء نفسه
كان يعرف كيف يجلس الساعات الطويلة صامتا بجانب الزوج الذي فقد المرأة المحبوبة او بجانب الام التي اخطتف الموت فلذة كبدها
وكما كان يعرف متى يصمت كذالك كان يعرف متى يجب عليه ان يتكلم ليدخل السلو والعزاء الى نفس المنكوب وهو عندئذ لا يعمل على محو الحزن بالنسيان بل ينفخ في الحزن روح الامل فيجعل منه شيءا نبيلا ساميا
وكان المنزل الذي يقيم فيه الاسقف يتألف من طابقين الطابق الارضي فيه ثلاث غرف احداهما للطعام والثانية لنوم الاسقف والثالثة لايواء الضيوف والطابق العلوي تقيم فيه المرأتان
اما الغرفة الصغيرة القائمة في ركن الحديقة والتي كانت في ما مضى مطبخا للمستشفى فقد وضع فيها الاسقف بقرتين حلوبتين اللتين اعتاد ان يرسل نصف البانهما الى المستشفى كل صباح
ولما كانت غرفة نومه فسيحة جدا يصعب تدفئتها في الشتاء وكان الخشب نادرا غالي الثمن فانه وضع في حظيرة البقرتين حاجزا شطرها الى شطرين جعل احدهما للبقرتين واتخذ الثاني مخدعا لمبيته في الشتاء
اما اثاث المنزل فكان متناهيا في البساطة واثمن مافيه بعض الصفاح الفضية وشمعدانان من الفضة ورثهم عن عمته فاذا جاء ضيف لتناول طعام العشاء اسرعت مدام ماجلوار فاضاءت الشمعدانين ووضعت الصحاف الفضية على المائدة ومتى رفع الطعام اعيد الشمعدانان الى مكانهما فوق الموقد
ووضعت الصحاف في الخزانة جرت العادة ان يترك بابها مفتوحا ولا عجب في ذلك فالابواب في منزل الاسقف كانت تترك مفتوحة ليلا نهارا
كانت لهذه الابواب مزاليج من حديد ولكن الاسقف ازالها جميعا ليتمكن عابر السبيل من الدخول في كل وقت
وقد ذعرت المراتان واشفقتا من هذه الابواب التي لا تغلق ابدا فقال الاسقف في هدوء بابان يجب الا يغلقا باب الطبيب وباب القس